اول حكومة عراقية في التاريخ

جعفر الحسيني كتابات 25 اكتوبر 2021

اول حكومة عراقية في التاريخ
جعفر الحسني

اول حكومة عراقية في التاريخ

جعفر الحسيني

كتابات 25 اكتوبر 2021

في ٢٥ تشرين الاول ١٩٢٠ ، تشكلت اول حكومة عراقية في التاريخ ، وكانت مجرد صورة ، بينما كان السير برسي كوكس هو مَن يدير البلاد ٠ وما كانت لتتشكل هذه الحكومة لولا قيام ثورة العشرين والتي اجبرت البريطانيين على تغيير سياساتهم واساليبهم في العراق ٠ لقد وضعت ثورة العشرين البريطانيين امام خيارين : اما تأسيس حكومة عراقية او الجلاء ( فيليب آيرلاند ( السفير الامريكي الاسبق في العراق ) – ص٢١٧ ) ٠ ويعترف كوكس نفسه بان الثورة ادت الى حصول هياج في لندن للمطالبة بالجلاء عن العراق ، وان الحكومة البريطانية نفسها كانت مضطربة جدا ( الوردي ج٦ ص٩ ) ٠ وهكذا كانت احداثها وماقبلها ( ١٩١٩ – ١٩٢٠ )، قد اطلقت عملية جديدة ، الا وهو النمو الصعب لمجتمع وطني عراقي ( بطاطو ج١ ص٤٢ )٠ ومن هنا كانت القيمة التاريخية لثورة العشرين ٠المفارقة ان شخصا صار فيما بعد رئيسا للوزراء – مزاحم الباججي – قال عنها للحاكم البريطاني : يؤسفني جدا ان تؤدي حماقات الافراد العرب الى ازعاج الامة البريطانية في مهمتها المشرفة ( الوردي ج٦ ص١١ ) ٠ والحقيقة ان ممارسات الادارة والجيش البريطانيين بحق العراقيين – وحسب قائد القوات البريطانية في العراق الجنرال هالدين – من سخرة وجمع طعام وسحب الزراع من حقولهم وتشغيلهم كعمال في الجيش وتقييد التجوال والاسفار واتباع السياسة الاستعمارية المألوفة في الهند من حيث معاملة الناس بخشونة واذلالهم ٠٠الخ ( الحسني – احداث عاصرتها ص٢٩) هي من اشعل الثورة ، فضلا عن مساعي الحاكم السياسي العام ويلسن لالحاق العراق كمستعمرة بالهند ( د وميض نظمي – الجذور السياسية ص٣٣٩) ٠
تشكلت الحكومة برئاسة عبد الرحمن النقيب ( ٧٨ سنة) من ثماني وزراء ، واضافوا لهم – في ٢٢ شباط ١٩٢١ – وزيرا شيعيا ، هو محمدمهدي بحر العلوم ٠ واستمر هذا النهج بعدها حيث يضاف وزير شيعي واحد لكل تشكيلة وزارية ثم صارا اثنين ، حتى بلغت النسبة الثلث في اواخر العهد الملكي ، ولكنها تراجعت في العهد الجمهوري ٠ وعموما فمن ٥٩ وزارة تشكلت في العهد الملكي كان منها ٥ وزارات فقط شكلها رؤساء وزراء شيعة ، اي ما نسبته اقل من ٩٪؜ ( العلوي – الشيعة والدولة القومية ص٢٠٠) ٠ وهكذا تم التأسيس لدولة علمانية عندما يتعلق الامر بالدين وطائفية عندما يتعلق الامر بالمذاهب ٠ وقد توقع البريطانيون ان تؤدي هذه السياسة الى الايقاع بين السنة والشيعة ( عبد الله النفيسي – دور الشيعة ص ١١٩) ٠

وكان ضمن هذه الحكومة ١٢ وزيرا بلا وزارة ( كان بينهم اربعة من الشيعة ) ٠ وقد عُين لكل وزير بحقيبة وزارية مستشار بريطاني يسيره ويوجهه ، وكان هو الحاكم الفعلي في الوزارة ، حتى صار الاهالي يقصدونه بدلا من الوزير ( الوردي ص ٢٦ ) ٠
خُصصت لهذه الحكومة ومستشاريها البريطانيين رواتب ضخمة ، حتى ان وزير العدلية مصطفى الالوسي لما استلم راتبه الاول ، فُوجئ بضخامته فصرخ : اللهم انصر الدين والدولة ( العمري – حكايات سياسية ص ٤٥ ) .
الغريب ان وزيرين من وزراء هذه الحكومة ( عبداللطيف المنديل واحمد الصانع) قادا – في حزيران ١٩٢١ – حملة لانفصال البصرة ، وجمعا ٥٤٠٠ توقيعا على طلب قدماه للمندوب السامي البريطاني ( الحسني – تاريخ الوزارات ج١ ص٩٨) ٠
وقد اختتمت هذه الحكومة عمرها بتتويج الملك فيصل الاول ملكا على العراق ، وتم التمهيد لذلك برفع مضابط من الاهالي بترشيح الملك فيصل ، وكان بعض المستشارين البريطانيين في الالوية ( المحافظات ) يوعزون للاهالي باضافة كلمات من قبيل : ترشيح الملك فيصل شريطة بقاء الوصاية البريطانية !!! وحولوا العملية بتدخلاتهم الى مهزلة حقيقية ٠ والطريف ان مدير ناحية طاووق نظم مضبطة بترشيح الملك فيصل ، ثم شاع في المساء ان الانگليز عدلوا عن ترشيحه ، فنظم مضبطة ثانية برفضه ، وفي الصباح سلمهما معا لمشاور اللواء البريطاني ( احداث عاصرتها ص٦٣) .
وهكذا اسس البريطانيون للكثير من المهازل والمساويء والمصائب في الحياة السياسية العراقية ، وفرضوها فرضا ، وكان اسوأها الدستور العراقي ( القانون الاساسي ) والذي صاغه البريطانيون انفسهم ( المصدر السابق ص ١٢٠ -١٣٩) ، والمعاهدة البريطانية العراقية ، وامتياز النفط والذي لامثيل له بالعالم حتى في بلد كالكويت عندما كانت امارة ( مذكرات احمد مختار بابان ص٢٠٥ و٢٤٦-٢٤٧ ) ٠٠٠وغير ذلك الكثير ٠

الخلاصة ، لقد أنشأ البريطانيون في العراق ، مااطلق عليه وبدقة الكاتب الفرنسي لويزار : دولة ضد مجتمعها ، فكانت عثمانية التفكير والروح والاساليب ٠ وللاسف انها لازالت كذلك ٠
الشيء بالشيء يذكر ، ان المس بيل سكرتيرة المندوب السامي وصفت صحيفة ( الاستقلال) العراقيه والتي كانت تدعو لاستقلال العراق بالبلشفية ، وبانها تقبض تمويلا ماليا ، ثم اغلقوها – في ٩شباط ١٩٢١ – وساقوا اصحابها الى السجون ( الوردي ص٣٤) ٠ وهكذا تتشابه الامبريالية تماما مع الديكتاتورية في كيل التهم وتلفيقها لمن يعارضها

#مواطنة_هاوس